النفقة الشرعية وخطورة عدم تأديتها
بقلم العميد المتقاعد هاشم المجالي………………
اتصلت بي بعد أن ضاقت بها الدنيا.
كان صوتها يتهدّج، وكأن كل دمعة لم تجد لها مكاناً في عينها، خرجت مع كل حرف تنطقه.
قالت لي:
“والله يا سيدي… اسمعني. مش عشاني… لأجل كل امرأة تحمل أولادها وحدها، وتخاف عليهم من يومٍ يأتي بلا رغيف ولا دواء.”
ثم صمتت لحظة، كأنها تجمع شجاعتها من جديد، وقالت:
“سمعت إنكم تناقشون تعديل عقوبة المتخلف عن النفقة… إنكم بدكم تبدلوا الحبس بإسوارة وخدمة مجتمع!
طيب، وخبز أولادي؟
وكتاب المدرسة؟
والدواء اللي ما بقدر أؤجله؟
راح يدفعوا ثمنه من إسوارتهم؟”
كانت تعمل في وظيفتين.
تعود منهكة، وبدل أن تجد من يساندها، تجد في صندوق ثلاجتها سؤالاً يومياً اسمه: “شو بدنا نتعشّى؟”
أما هو… والد الأطفال… فلا يسأل ولا يكترث.
والأسوأ أنه يستطيع أن يدفع… لكنه اختار ألا يفعل.
حكت لي عن نساء كثيرات مثلها؛
يقفن أمام المحاكم يحملن على أكتافهن أطفالاً، وفي قلوبهن خوفاً من غدٍ بلا نفقة وبلا عدل.
كل واحدة بينهن تروي قصص الجوع، وملابس المدرسة التي لا تُشترى، والدواء الذي يُقسّط على دفعات، بينما الآباء يمشون في حياتهم كأنهم بلا أبناء.
قالت لي:
“لو ما كان في قانون حبس… ما شفنا منهم قرش.
الحبس هو الشيء الوحيد اللي بخلي البعض يتذكروا إنهم آباء.”
ثم أضافت بصوتٍ متكسّر:
“إذا شلتوه… فأولادي وأولاد غيري راح يضيعوا.
والذنب برقابكم.”
وأغلقت الهاتف…
لكن كلماتها بقيت عالقة بي، ثقيلة… كأنها ليست قصة امرأة واحدة، بل صرخة مجتمعٍ بأكمله.
لهذا أقولها بوضوح:
إن أصبح التخاذل عن النفقة بلا عقوبة حقيقية،
فإن جوع الأطفال ومرضهم وحرمانهم…
سيكون خطيئة يحملها مجلس النواب وكل من وقف يؤيد هذا التعديل أو يسكت عنه.
هذه ليست قصة…
هذه مرآة موجوعة لواقع لا يجوز أن نصمت عليه.
الكاتب من الأردن